هل العدوّ المُحَارَب اليوم من قِبَل القوى العالميّة غيرُ مرئيّ؟

 

 

 

       الإسلام الصحيح الأصيل الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي ظلّ وسيظلّ خطرًا على غيره من الديانات الباطلة؛ من ثمّ تُبْذَل من قِبَلها مساعٍ حثيثةٌ لإيجاد "إسلام" معتدل صناعيّ يختلف عنه – الإسلام الصحيح الأصيل – ويماثله. ويُعْرَضُ الإسلام الأصيل خطرًا على الكون ويوصف بأنّه مُؤَدٍّ للإرهاب؛ بل أنّه بدوره إرهابيّ، وتُشَنَّ ضدّه حملةٌ مُكَثَّفَة عنيفة في كلّ مكان على جميع الأصعدة: الإعلاميّة والعسكريّة تؤكّد لكل من الإنسان العاديّ الذي إنما يتّصل بالإسلام عن طريق خيط ضعيف جدًّا بمن فيه الأمّي والمُثَقّف بالثقافة الغربيّة والمتغرّب الذي يؤمن بأن الحضارة الغربيّة هي طوق النجاة: أنّ الإسلام الذي يضمنه الكتاب والسنّة ربما هو باطلٌ عاطلٌ لايُسْمِن ولايُغْنِي، وأنّ الإسلام الصحيح المثمر في الدنيا والآخرة ربما هو ذاك الذي تدعو إليه أمريكا، ويُشيد به الغرب، ويقومان له بدعاية لاتنتهي، وكأن ذلك هو هدفهما المنشود وغايتهما المطلوبة، حتى يبدو كأن أمريكا وأوربّا ربما تُمْحَيَان من الوجود إذا لم تقوما بما تقومان به من معارضة الإسلام المنصوص عليه في الكتاب والسنّة ومن الدعاية بالإسلام الصناعيّ المُقَلَّد، أو كأنّ ديانتهما المسيحيّة المُحَرَّفَة هي في خطر، مادام الإسلام الأصيل يبقى فاعلاً فعلَه مؤتيًا أكله .

       أصبح الإسلام الأصيل يُحَارَب في كلّ مكان وبكلّ أسلوب، ويُحَارَب كل شيء تُشَمُّ منه رائحتُه – الإسلام الأصيل – ويُحَبَّذ بالمقابل بالإسلام الصناعيّ المُقَلَّد، ويُدْعَى إليه، وتُمَهَّد له السبيل، ويشاد بمن يعتنقه ويعمل به. يُحَارَب كلُّ شعار للإسلام الأصيل، وكل شارة تدلّ عليه، وتشي به، وتُرْمِز إليه؛ فاللحية مُحَارَبَة؛ لأنها تُرْمِز إلى كون صاحبها مُتَمَسِّكاً به، مُنْطَلِقًا منه في جميع شؤون حياته، وصادرًا عنه في كل ما يأخذ ويدع في رحلة الحياة؛ وملابسُ العلماء مُحَارَبَة؛ لأنّها تدلّ على أن مُرْتَدِيها مُتَصَلِّب في الدين، ومُتَشَبِّث بأهدابه، ومواظب على أحكامه وآدابه، ولا يُصَالِح في شأنها أحدًا، ولايجامله مهما كانت الأحوال، واقتضت الضرورةُ "التنازلَ" عن بعضها؛ فهو "مُتَطَرِّف" بل هو "إرهابيّ"؛ لأنّ "الإرهابي" هو كلُّ مسلم يعمل بكلّ الإسلام، ولا يعتقد بتجزئته، ولايرضى أن يعمل ببعضه ويُغْضِي عن بعضه!.

 

وبما أنّ الكتاب والسنة وأمهات كتب الإسلام التي تُعَلِّم أصلَ الدين، وتضمّه بين دفّتيها، هي رأسُ الإسلام، ومصدرُ تعاليمه، والمنبعُ الذي تتفجّر منه الدماءُ الطازجة التي تسقي الجسم الإسلاميّ، وتصونه من الذبول؛ فهي كلُّها مُحَارَبَة؛ حيث تجري المحاولات مُتَّصِلَةً بفرض الحظر على تعليمها وتدريسها، ولاسيما ما يتعلّق منها باليهود والنصارى ويتعرّض بذكر مساوئهم، ويُعَرِّي حقيقتَهم .

       عادت هي كلُّها تُعْتَبَرُ لدى الغرب الممسك بأعناق العالم اليوم مصدرًا للإرهاب؛ فالمحاولة مبذولةٌ مُكَثَّفَةً على حظر التعليم الديني الإسلامي الذي ملاكه أصلاً هذه الكتب. وقد تَوَلَّتْ كبرَ ذلك القوى الصهيونيّة والقوى الصليبيّة التي صارت اليوم مُسْتَعْبَدَةً للقوى الصهيونيّة التي تتصرف فيها كما تشاء. وهاتان القوتان صارتا اليوم متكاتفتين على محاربة عدوّهما المشترك الإسلام الذي تعلمان أنه وحده الذي بقي عبر هذه العصور الطويلة صلبَ القناة، رغم جميع العواصف التي هبّت ضدَّه هوجاءَ مُحَاوِلَةً استئصالَه و اقتلاعَه من الجذور؛ وأنّه وحده الذي لايزال يتفرّد بشأنه، ويستقلّ بعظمته، رافعًا رأسَه، لايفتّ في عضده شيء من جميع الحروب التي تصطلح القوى العالميّة كلّها على شنّها ضدّه، بكل ما لديها من أسلحة وعتاد واستراتيجيّة حربيّة مُتَقَدِّمَة تتباهى بها.

*  *  *

       وقد كنّا نظنّ أنّ معاداة القوى الصهيونية والقوى الصليبيّة، انعكاساتُها لم تتجاوز أوربَّا والدولَ التي هي مهدهما أو مجال نشاطهما؛ ولكنّه تأكّد لدينا اليوم أن العالم كلّه مُدَارٌ اليوم في الواقع من قبل القوتين، وليس جزء منه ممتنعًا عن شرّهما المستطير ومؤامرتهما الخطيرة .

       لقد كانت الهند من البلاد التي تُعْتَبَرُ ملجأً محروزًا للمسلمين؛ لأنهم حكموها ألف سنة، ودرج فيها عدد لايحصى من العلماء والصالحين ورجال الحكم والقيادة اللائقين الذين رَسَّخُوا الإسلام في تربتها، بشكل لايوجد مثيله في العالم؛ ولكنه من سوء الحظّ أنشبت فيها أيضًا الصهيونيّةُ أظفارَها، وقويت الصلة بينها وبين الهند مؤخرًا، وعاد الطائفيوّن المتعصبون من الهندوس يستهدون في بعض شؤون الحكم وإدارة البلاد بإسرائيل واستخباراتها، ويسترشدونها في تنفيذ محاولة قمع الإسلام وإلجام المتدينين من المسلمين، وتجفيف المنابع الإسلاميّة في هذه الديار ولاسيّما المدارس والجامعات والمنظمات الإسلاميّة.

       واستفحل الأمرُ، فارتفع عدد المتعصبين الهندوس الذين يحقدون الإسلام ويكرهونه للغاية، حتى إنّ أحد رجال المكتبات العامّة التي تتولّى بيع الكتب الدراسيّة التي هي مُدْرَجَةٌ في مقررات المدارس الحكوميّة، يتحرج مؤخرًا من بيع كتاب دراسي يتضمّن تعاليم إسلاميّة، قائلاً للتلميذ الطالب للكتاب: لن نبيعك إيّاه؛ لأنك وقومك تتخرجون إرهابيين بقراءة مثل هذا الكتاب!.

       هذا مثال واحد من الأمثلة التي لاتُحْصَى لهذه العصبيّة والكراهيّة ضد الإسلام التي أنتجتها وصَدَّرتها الصهيونيّة متكاتفة مع الصليبيّة إلى العالم كلّه، حتى صارت الأرض كلّها غير صالحة لسكنى الإنسان وليس للإنسان المسلم وحده؛ لأن هذه الكراهية سلبت الإنسانَ الأمنَ والاستقرارَ، وخلقت سلسلةً لا تنتهي من الصراع بين الإنسان وأخيه الإنسان.

*  *  *

       إذا كنتَ عاملاً بالإسلام الصناعي المُقَلَّد؛ فأنت إنسان طيِّب، إنسان كريم، إنسان معتدل، ومسلم متعامل مع العصر، مسلم يتمتع باللباقة واللياقة وأهليّة معايشة الآخرين؛ لأنك عندئذ تتجرّد أولاً عن كل شارة تمتّ إلى الإسلام بصلة، وتصلّي وقد لا تصلّى، وتعمل ببعض الإسلام وتدع بعضه، ولاتتصلّب في شأن الدين، وتتغنِّي بفضل الحضارة الغربيّة، وتكره في نفسك الثقافة الإسلاميّة، وقد ترتاد المسجد وقد ترتاد المعبد الهندوسيّ، أو المعبد المسيحي أو اليهوديّ، وقد تسجد لله وقد تسجد لغير الله، وقد تتلو القرآن وقد تقرأ تعبّدًا غيره من كتب هذه الأديان، وقد ترجو الله وقد ترجو غيره؛ فأنت مسلم مائع، متماشٍ مع الكل، مصالح للجميع، ليس لك عقيدة ثابتة، أو مبادئ راسخة، تميل مع الريح، وتهبّ حيثما هبّت المصالح؛ فأنت لست عبدًا لله، وإنما أنت عبد هواك. وتلك هي بعض معاني "الإسلام الصناعي المعتدل الطيّب" الذي يرضاه الناس جميعًا، ولاسيّما الصهاينة والصليبيّون والوثنيّون.

       ذلكم هو الإسلام الأمريكي الصهيوني الصليبي الذي تعكف أمريكا والصهيونية والصليبيّة على إحداثه وتصديره والدعاية به، حتى تكون هي في مأمن من "شرّ" الإسلام الأصيل الذي يضمنه القرآن ويُعَرِّف به الحديثُ، ويعمل به معظم المسلمين، والذي يشكل خطرًا على كل من الصليبية والصهيونيّة والوثنيّة بأشكالها التي لاتُعَدّ.

*  *  *

       ألا! إن الإسلام رحمة بالإنسانيّة كلّها، إذا تعاملتْ معه، وصالحتْه، ولم تحاربه، ولم تتّخذه عدوًّا لها. إنه لايحارب أحدًا رضيه أو كرهه؛ ولكنّه يحارب من يحاربه، ويطارد من يلاحقه، ويدافع من يقف في طريقه، ويصمد أمامَ مدّه. إنّه سِلْمٌ لمن يسالمه، وخير لمن يستظلّ به ولو كان من غير أهله. إنه واسع الصدر، سمح النفس، واسع العينيين، لاينفد عطاؤه، ولاينتهى سخاؤه، ولاينحصر مدّه، ولايقتصر حدّه لكلّ من لم يصادمه بقرنه، ولم يزعجه بدون سبب، ولم يجعله ينفد صبره، ويفقد رصيد احتماله، ولم يعد لديه مجال إلاّ محاربة من يتطاول على عرضه، ويقتحم حماه، ويتحدّى كبرياءه، ويحاول أن يستبيح نخوتَه، ويتنكّر لكل منّة يُسْديها إليه في غاية من الإذلال والإهمال والإهانة.

       إنّ أبناء الإسلام الأصيل.. الإسلام المحمديّ المنصوص عليه في كتاب ربّ العالمين، المُفَصَّل أحكامه وآدابه وتعاليمه ومبادئه في سنّة رسوله الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم يواجهون اليومَ هذا الموقف المزري من قبل القوى العالميّة وعلى رأسها الصهيونيّة الخبيثة والصليبية المُسْتَعبَدة لها.

       هذه القوى اتّخذتْ من الإسلام عدوًّا لها بنفسها، متحديةً كبرياءه، محاولة استباحة حماه، مثيرة غاية غضبه؛ فإذا وجدت مقاومةً ما ضئيلة بل – في أصح التعابير – محاولة ما للمقاومة الضعيفة؛ لأنها مقاومة العُزْل الذين لايملكون السلاح المتقدم الذي تملكه هي، اتخذت المُسَبَّبَ سببًا، وقالت: إنّ "الإرهاب" يطاردنا ويطارد العالم؛ فلنحاربه جميعًا بأسلحتنا المتطورة، وبأساليبنا التقليدية وغير التقلديّة.. يا شرقُ تعالَ، ويا غربُ تعال، ويا شمالُ تعالَ، ويا جنوبُ تعالَ! تعالوا جميعًا نحارب هذا العدوّ غير المرئي، هذا العفريت غير القابل للقبض والإمساك.. إنّه العدوّ غير التقليديّ الذي لم نعرفه قطّ في الماضي.. إنّه العدوّ القويّ المارد الذي لن نأمن في سربنا مالم نغلبه.

       والعدوّ غير المرئيّ ليس في الواقع غير مرئيّ، إنّه أمام العيون، يرقص على الرؤوس، ويجثم على الصدور، ويمثل بين الأيدي، ويمشي على وسط الطريق؛ ولكنّ هذه القوى لاتريد بصدق النية أن ترى الحقيقة، وتدرك الواقع، وتأتي البيوتَ من أبوابها، لكي تعرف العدوّ، وتعلم أسلوب التغلّب عليه.

       إنّ معرفة العدوّ لن تتحقق ما لم ترضَ هذه القوى بمراجعة نفسها، ومجالسة هذا العدوّ، والمفاوضة معه، وتوفيته حقَّه من الإنصاف والاعتراف بحقّه في العيش، وأداء الدور، والانسحاب عن الوقوف في طريقه، ومن الإجحاف بحقّه، ومن ظلم أبنائه، وإيذاء أوليائه، ومن الإصرار على أنّ الكون كله ملك لها وحدها، وأنّ لها وحدها حقّ التصرف فيه، والتسليم بأنّ "العدوّ" له الحقّ أيضًا في العيش.

       تلك هي طريق معرفة العدوّ، وطريق التغلّب عليه وإخضاعه للإرادة.

       فهل تعود هذه القوى العالميّة المُتَصَدِّيَة لمحاربة الإسلام.. لمحاربة الإرهاب، لرشدها؟ أم تظلّ سادرة في غيّها، ساقطة في الهاوية بشكل لاسبيل تجدها للخلاص منها؟. إنّا لمنتظرون: هل هي فاعلة؟.

 

( تحريرًا في الساعة :3011 من ضحى يوم السبت: 28/4/  1430هـ = 25/4/ 2009م ) .

أبو أسامة نور

 

جمادى الأولى – جمادى الثانية 1430 هـ = مايو - يونيو 2009 م ، العدد : 5-6 ، السنة : 33